الفهرس

سُورة الانسان
نزول السورة سورة الإنسان من السور المختلف فيها، فقد اختلف العلماء في نزولها على أقوال: الأول: أنها مكية، وهو مروي عن ابن عباس أخرجه النحاس في الناسخ والمنسوخ (۳/ ۱۳۲) من طريق يموت بن المزرع، وأخرجه أبو عبيد من طريق علي بن أبي طلحة - رحمه الله تعالى -، وينظر: الدر المنثور (۸/ ۳٦٥)، وفتح القدير (٥/ ۳٤۱).، وابن الزبير أخرجه ابن مردويه كما في الدر المنثور (۸/ ۳٦٥)، وفتح القدير (٥/ ۳٤۱).، ومنسوب إلى ابن مسعود ينظر: التحرير والتنوير (۲۹/ ۳۷۰). - رضي الله عنهم -، والكلبي ينظر: النكت والعيون (٤/ ۳٦٥)، والجامع لأحكام القرآن (۱۹/ ۱۱۸)، وفتح القدير (٥/ ۳٤۱).، ويحيى بن سلام ينظر: النكت والعيون (٤/ ۳٦٥).، وعطاء بن يسار ينظز زاد المسير (۸/ ۱٤۱)، وتفسير الخازن (٤/ ۳۷٦)، ومصاعد النظر (۳/ ۱٤۳). ونسبه في معالم التنزيل (۸/ ۲۹۱) إلى عطاء على الإطلاق.، وبه قال مقاتل تفسيره (٤/ ٥۱۹)، وينظر: النكت والعيون (٤/ ۳٦٥)، والجامع لأحكام القرآن (۱۹/ ۱۱۸)، ومصاعد النظر (۳/ ۱٤۳)، وفتح القدير (٥/ ۳٤۱). وقال بمكيتها أيضًا: الزجاج في معاني القرآن وإعرابه (٥/ ۲٥۷)، وابن عبد الكافي (ق ٦۷/ ب)، والثعلبي (ق ۱۱/ ب)، والواحدي في الوسيط (٤/ ۳۹۰)، والزمخشري (٤/ ۱٦٦)، والرازي (۳۰/ ۲۰۸)، والنسفي (٤/ ۲۳۷)، والجعبري في المدد في معرفة العدد (ق ۸٥/ ب)، وابن كثير (۸/ ۲۸٥)، والبيضاوي (۲/ ٥٥۱)، والفيروزآبادي (۱/ ٤۹۳)، والبقاعي في مصاعد النظر (۳/ ۱٤۳)، والقاسمي (۱۷/ ٤)، وابن عاشور (۲۹/ ۳۷۰)، ونسبه في البحر المحيط (۱۰/ ۳٥۸) للجمهور. - رحمهم الله تعالى -. الثاني: أنها مدنية، وهو مروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أخرجه ابن الضريس، وابن مردويه، والبيهقي. وينظر: الدر المنثور (۸/ ۳٦٥).، ومنسوب إلى مجاهد، وقتادة ينظر: معالم التنزيل (۸/ ۲۹۱)، والمحرر الوجيز (۱٦/ ۱۸۲)، وزاد المسير (۸/ ۱٤۱)، وتفسير الخازن (٤/ ۳۷٦)، والبحر المحيط (۱۰/ ۳٥۸)، ومصاعد النظر (۳/ ۱٤۳)، وروح المعاني (۲۹/ ۱۸۹)، والتحرير والتنوير (۲۹/ ۳۷۰).، وجابر بن زيد ينظر: البيان للداني ص (۲٦۰)، ومصاعد النظر (۳/ ۱٤۳)، والتحرير والتنوير (۲۹/ ۳۷۰). وهو منسوب للجمهور في: النكت والعيون (٤/ ۳٦٥)، وزاد المسير (۸/ ۱٤۱)، والجامع لأحكام القرآن (۱۹/ ۱۱۸)، وتفسير الخازن (٤/ ۳۷٦)، والفتوحات الإلهية (٤/ ٤٥۱)، وفتح القدير (٥/ ۳٤۱). - رحمهم الله -. الثالث: أن فيها مكيًا ومدنيًا، ثم في ذلك ثلاثة أقوال: ۱ - إن المكي من أول السورة إلى قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (۷)}، والمدني من قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (۸)} إلى آخر السورة، وهذا القول منسوب إلى الحسن - رحمه الله تعالى - ينظر: البيان لابن عبد الكافي (ق ٦۷/ ب).. ۲ - إن المدني من أول السورة إلى قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (۲۲)}، والمكي من قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (۲۳)} إلى آخر السورة. وهذا القول لم أجده منسوبًا إلى أحد ينظر القول غير منسوب في: البيان لابن عبد الكافي (ق ٦۷/ ب)، والنكت والعيون (٤/ ۳٦٥)، وزاد المسير (۸/ ۱٤۱)، والجامع لأحكام القرآن (۱۹/ ۱۱۸)، وتفسير الخازن (٤/ ۳۷٦)، ومصاعد النظر (۳/ ۱٤۳).. ۳ - أنها مدنية إلا قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (۲٤)}، وهذا القول منسوب إلى الحسن، وعكرمة - رحمهما الله - ينظر: معالم التنزيل (۸/ ۲۹۱)، والمحرر الوجيز (۱٦/ ۱۸۲)، وزاد المسير (۸/ ۱٤۱)، وتفسير الخازن (٤/ ۳۷٦)، والبحر المحيط (۱۰/ ۳٥۸)، ومصاعد النظر (۳/ ۱٤۳)، والفتوحات الإلهية (٤/ ٤٥۱)، وروح المعاني (۲۹/ ۱۸۹)، والتحرير والتنوير (۲۹/ ۳۷۰). وفي الإتقان (۱/ ۳۹): "وقيل: مكية إلا آية واحدة: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [۲٤] "..
أدلة القول الأول: ۱ - ما روي عن ابن عباس أخرجه النحاس في الناسخ والمنسوخ (۳/ ۱۳۲) من طريق يموت بن المزرع، وأخرجه أبو عبيد من طريق علي بن أبي طلحة - رحمه الله تعالى -، وينظر: الدر المنثور (۸/ ۳٦٥)، وفتح القدير (٥/ ۳٤۱).، وابن الزبير أخرجه ابن مردويه كما في الدر المنثور (۸/ ۳٦٥)، وفتح القدير (٥/ ۳٤۱).- رضي الله عنهم -؛ أن سورة الإنسان نزلت بمكة. ۲ - أنها معدودة ضمن القسم المكي في بعض الروايات التي عددت المكي والمدني ينظر: فضائل القرآن لأبي عبيد ص (۲۲۱)، وفهم القرآن ص (۳۹٥ - ۳۹٦)، والبيان للداني ص (۱۳۳ - ۱۳٤)، والجامع لأحكام القرآن (۱/ ٦۱ - ٦۲)، وفضائل القرآن لابن كثير ص (۱٦۳ - ۱٦٤).. :
أدلة القول الثاني: ۱ - ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهم -؛ أنه قال: "نزلت سورة الإنسان بالمدينة أخرجه ابن الضريس، وابن مردويه، والبيهقي. وينظر: الدر المنثور (۸/ ۳٦٥).. ۲ - أنها معدودة ضمن القسم المدني في بعض الروايات التي عددت المكي والمدني ينظر: تنزيل القرآن ص (۳۰)، وفضائل القرآن لابن الضريس ص (۳٤)، والبيان لابن عبد الكافي (ق ۱۲/ أ)، والفهرست ص (٤۳)، والبيان للداني ص (۱۳٦)، ودلائل النبوة (۷/ ۱٤۳)، وفنون الأفنان ص (۳۳۷)، وجمال القراء (۱/ ۸)، والمدد في معرفة العدد (ق ۳٦/ أ). وأخرج ابن عساكر كما في الدر المنثور (۸/ ۳۷۰) عن مجاهد أنه قال: "لما صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأسارى عن بدر، أنفق سبعة من المهاجرين على أسارى مشركي بدر، منهم أبو بكر، وعمر، وعلي، والزبير، وعبد الرحمن، وسعد، وأبو عبيدة بن الجراح، فقالت الأنصار: قتلناهم في الله وفي رسوله وتوفونهم بالنفقة، فأنزل الله فيهم تسع عشرة آية: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (٥)} [٥] إلى قوله: {عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (۱۸)} [تسع عشرة: هكذا وردت في الدر المنثور مع أن الآيات أربع عشرة آية]، وهو أثر مرسل..
أدلة القول الثالث: ۱ - دليل القائلين بمكية السبع الأولى ومدنية ما بعدها: ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما -؛ أن قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (۸)} نزل في علي بن أبي طالب وأهل بيته - رضي الله عنهم -، حيث آثروا إعطاء ما خبزوه لمسكين في اليوم الأول، ثم ليتيم في اليوم الثاني، ثم لأسير من المشركين في اليوم الثالث ... إلخ الأثر أخرجه بطوله الثعلبي في تفسيره (ق ۱٦/ أ - ۱۸/ ب) وفيه أن جبريل قرأ السورة كاملة على الرسول - صلى الله عليه وسلم -. قال الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، في الأصل الرابع والأربعين (۱/ ۳٦۷ - ۳٦۹): "ومن الحديث الذي تنكره قلوب المحقين ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما -"، فذكره، ثم قال: "هذا حديث مزوق، وقد تطرف فيه صاحبه حتى يشبه على المستمعين". وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السُّنَّة النبوية (۷/ ۱۷٤ - ۱۸۷) ثم رده من ثلاثة عشر وجهًا، ومن ذلك قوله في الوجه الثاني: "أن هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث، الذين هم أئمة هذا الشأن وحكامه، وقول هؤلاء هو المنقول في هذا الباب، ولهذا لم يرو هذا الحديث في شيء من الكتب التي يرجع إليها في النقل، لا في الصحاح، ولا في المساند، ولا في الجوامع، ولا السنن، ولا رواه المصنفون في الفضائل، وإن كانوا قد يتسامحون في رواية أحاديث ضعيفة". وأخرجه الواحدي في أسباب النزول ص (٤۷۰) بدون إسناد. وينظر: تخريج الأحاديث والآثار (٤/ ۱۳٤ - ۱۳٥)، والكافي الشاف ص (۱۸۰). وأخرج الثعلبي (ق ۱٥/ ب - ۱٦/ أ) عن أبي حمزة الثمالي أنها نزلت في رجل من الأنصار، أطعم في يوم واحد مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا، ونسبه إلى مقاتل أيضًا.. ففي هذا الأثر دلالة على نزول الآيات بالمدينة. أما الآيات الأولى فلم أجد ما يدل على مكيتها سوى ما ذكر. ۲ - لم أجد دليلًا لمن قال بمدنية أول السورة إلى الآية الثانية والعشرين، ومكية ما بعدها. ۳ - دليل من قال بمدنية السورة إلا قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (۲٤)}، ما روي عن قتادة - رحمه الله تعالى - أنه بلغه أن أبا جهل يقول: لئن رأيت محمدًا يصلي لأطأن على عنقه، فأنزل الله - عز وجل - الآية أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (۲/ ۳۳۹)، وابن جرير (۲۹/ ۲۲٤)، وينظر: الدر المنثور (۸/ ۳۷۸)، وإسناده إلى قتادة صحيح، لكنه مرسل.. :
مناقشة الأدلة: بالنظر في جميع الأدلة المذكورة نجد أنه لا يصلح للاحتجاج منها إلا رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهذه الرواية يستأنس بها، فهناك سور مجمع على مدنيتها لم يرد لها ذكر في الرواية كالحجرات، والجمعة، و (المنافقون).، وهي من أدلة القول الأول، أما بقية الأدلة فهي ضعيفة، ولا يمكن من خلالها الحكم على مكية السورة أو مدنيتها. * الراجح: رجح كثير من المفسرين القول بمكيتها، وهو الذي أميل إليه؛ لرواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ولعدم وجود ما يعارضها يستأنس بأسلوب السورة، وما تعرضت له، إذ الحديث عن بدء خلق الإنسان، وأمور الآخرة وما رصد لمن كفر بالله تعالى، وكذلك ما أعده الله لعباده المؤمنين، ثم ما ختمت به السورة من أنه الخالق - عز وجل -، والقادر على تغيير هذا الخلق إذا شاء سبحانه. كل ذلك من خصائص السور المكية.. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "وسورة {هَلْ أَتَى} مكية باتفاق أهل التفسير والنقل، ولم يقل أحد منهم: إنها مدنية. وهي على طريقة السور المكية في تقرير أصول الدين المشتركة بين الأنبياء؛ كالإيمان بالله واليوم الآخر، وذكر الخلق والبعث، ولهذا قيل: إنه كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها مع: {الم (۱) تَنْزِيلُ} في فجر يوم الجمعة أخرج ذلك البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة (۱/ ۲۱٤ - ۲۱٥)، ومسلم في صحيحه، كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في يوم الجمعة (۲/ ٥۹۹) رقم (۸۷۹ - ۸۸۰).؛ لأن فيه خلق آدم، وفيه دخل الجنة، وفيه تقوم الساعة. وهاتان السورتان متضمنتان لابتداء خلق السموات والأرض وخلق الإنسان إلى أن يدخل فريق الجنة وفريق النار" منهاج السُّنَّة النبوية (۷/ ۱۷۹ - ۱۸۰)، وينظر: المنتقى منه للذهبي ص (٤٤۷).. وقال ابن عاشور - رحمه الله تعالى -: "والأصح أنها مكية، فإن أسلوبها ومعانيها جارية على سنن السور المكية، ولا أحسب الباعث على عدها في المدني إلا ما روي من أن آية {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} نزلت في إطعام علي بن أبي طالب بالمدينة مسكينًا ليلة، ويتيمًا أخرى، وأسيرًا أخرى، ولم يكن للمسلمين أسرى بمكة، حملًا للفظ أسير على معنى أسير الحرب، أو ما روي أنه نزل في أبي الدحداح أبو الدحداح هو: ثابت بن الدحداح بن نعيم بن غنم بن إياس، حليف الأنصار، قيل: توفي في أحد، وقيل: مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية. ينظر: الاستيعاب (۱/ ۲۷۸، ٤/ ۲۱۰)، وأسد الغابة (۱/ ۲٦۷، ٦/ ۹٦ - ۹۷)، والإصابة (۱/ ۱۹۱، ٤/ ٥۹).، وهو أنصاري، وكثيرًا ما حملوا نزول الآية على مُثل تنطبق عليها معانيها، فعبروا عنها بأسباب نزول" التحرير والتنوير (۲۹/ ۳۷۰)..